الجمعة، 25 فبراير 2011

الذكورة والأنوثة


الذكورة والأنوثة

من كتاب (الأنثى هي الأصل) د.نوال السعداوي

قد بدأ علماء فسيولوجيا المخ يصلون الى فهم العمليات المركزية للسلوك في الحيوانات، بما في ذلك السلوك الخاص يالأنوثة، والسلوك الخاص بالرجولة. وهذا لاشك يمزق الحجب عن تلك القوى (الخقية سابقاً) والتي تتألف من خلايا مخية مرتبة ترتيباً تصاعدياً، وتتأثر بالهرمونات، والمؤثرات الخارجية والداخلية على حواس الانسان، والمراكز المخية الأخرى، وخلايا أرشيف ذكريات التجارب السابقة، وخلايا التجارب النفسية الجديدة. 
وقد اكتشف العلماء هنا شيئاً جديداً غريباً، ذلك أن الحالة الأصلية للعمليات المركزية المخية هي الأنثى. أي أن مخ الجنين (الهبوثلاماس – hypothalamus ) لا ينتج عنه سلوك ذكري إلا إذا تأثر بفعل الهرمونات المذكرة. ولو أن هذه الهرمونات المذكرة تعطلت بسبب أو آخر في الذكر فإن الأنوثة تحدث على الفور. ومعنى هذا أن مخ الجنسن يحتاج الى تنشيط من هرمون الذكور ليشكل أعضاء الذكر ولكنه بغير هذا التنشيط يصبح أنثى.


وهذا يتفق مع الحقيقة التشريحية، التي تقول بأنه في تطور الجنين فإن عضو الذكر يتطور من بظر أنثى، أي أن عضو الذكر ليس إلا بظراً مذكراً وقد أوضحت الدراسات الفيسيولوجية للجهاز العصبي حقيقة أن مخ الذكر ليس إلا مخ الأنثى بعد أن أصبح مذكراً بفعل الهرمون الذكري.

وقد أوجد أن القوة البيولوجية (التي كانت العامل الثالث التي قد تشكل صفات الأنوثة والذكورة) تصل في طريقها النهائي الى المخ، وقد ظهرت هذه الحقيقة في تجارب على الحيوانات، حيث يتحول المؤثر الكيميائي الكهربي الى دافع وفعل. وبدراسة بعض الحلات في الانسان وجد بعض العلماء ومنهم جون ماني (John Money) أن هذه القوة البيولوجية موجودة في الانسان أيضاً على نحو مشابه لتلك الحيوانات. وفيما يلي ملخص لبعض الحالات التي درست في الانسان:

1.    فحصت بعض الحالات المصابة بما يسمى أعراض تيرنر (Turner Sychrome) وفي هذه الحالة فإن الانسان يكون ناقص الكروموسومات. وليس لديه إلا الكروموسومات المؤنثة. وكذلك ليس لديه مبيضان ولا خصيتان. ومن المعروف أن الانسان طبيعياً يملك نوعين من الكروموسومات: الاناث عندهن كروموسومات مزدوجة من الكروموسومات (X). والذكور لديهم كروموسوم واحد (X)، وكروموسوم آخر (Y). (هذه الحروف أخذت من شكل الكروموسوم تحت الميكروسكوب). وبالرغم من أن هؤلاء الأشخاص يفتقدون الكروموسوم الذكري وكذلك يفتقدون المبيض والخصيتين التي تفرز الهرمونات الجنسية، فان نموهم التشريحي يقودهم الى أن يصبحوا اناثاً، كما سلوكهم في الحياة يكون أنثوياً، ولكنهم يميلون الى الجنس الآخر كاختيار جنسي. (heterosexual).
2.    في حالات الذكور ذوي الكروموسات (XY) فان الشخص ينمو ويتطور ويصبح امرأة طبيعية المظهر رغم نقص الهرمونات الجنسية. وهذه الحالات من الصعب شرحها بالتفصيل هنا حيث أن الكروموسومات الذكرية (Y) والأنثوية (X) موجودة، وكذلك كمية من الهرمونات الذكرية في الدم، ولكن يبدو أن أنسجة الجسم لا تتأثر التأثير الكافي بالتنشيط الذكري الذي يحدث في الذكور الطبيعيين. وتحتاج مثل هذه الحالات الى دراسات أكثر لمعرفة هل هذا التطور الأنثوي بسبب عدم تأثير المخ (الأنثوي أصلاً) بالهرمون الذكري.
3.    هؤلاء الذكور الذين يظهرون عند الولادة بأجسام طبيعية، ثم في المراهقة يكتشف أن الخصيتين تفرزان هرمون الذكور بكميات قليلة جداً منذ كان الشخص جنيناً. ومعظم هؤلاء يكتسبون صفات أنثوية منذ الطفولة أو بعدها، ويقولون انهم يفضلون أن يكونوا بناتاً.
4.    في حالات اضطراب الفص الصدغي للمخ فان عدداً من التقارير التي تتضمن اضطرابات في الشخصية (الذكورة أو الأنوثة) لم تحدث إلا في الرجال (ويكون السلوك عادة تشبه الرجل بالأنثى في الملابس)، ويحدث هذا السلوك بسبب موجات كهربية معينة تنبعث من الفص الصدغي للمخ. وقد وجد أنها تعالج أو تتحسن بأثر بعض الأدوية التي تعطى للشخص وتؤثر على هذه الموجات الكهربية.
5.    في الحالات التي تتلقى الجنين الأنثى تنشيطاً ذكرياً شديداً جين تتناول الأم أثناء الحمل كميات كبيرة من هرمون البروبترون (للوقاية من الاجهاض) فان هؤلاء الاناث يأخذن سلوك الذكور ولكنهن يفضلن الجنس الآخر كاختيار جنسي. (heterosexual).
6.    إن الغدد الفوق كلوية (adrenal) التي تفرز عدداً من الهرمونات، تفرز أيضاً جزءاً صغيراً من الهرمون الذكري. وهي مصدر الهرمونات المذكرة في الأنثى. وفي هذه الاضطرابات التي يزداد فيها نشاط هذه الغدد فان كمية كبيرة من الهرمون الذكري يفرز، وقد يحدث ذلك للجنين قبل ولادته، فيتسبب في تذكير أعضاء الجنين الأنثى، ويسلكن سلوكاً ذكرياً وان كن يحتفظن برغبتهن في الجنس الآخر. (heterosexual).
ان هذه الحقائق توصي بأن الازدواجية الجنسية في حالة الذكر، يمكن أن تعزى الى التذكير (بفعل الهرمون الذكري) الذي حدث للمخ الأنثوي أصلاً. ويعترف علماء البيولوجيا أن هذه البحوث والاكتشافات الجديدة ليست إلا ضوءاً خافتاً في ذلك الخضم الكبير المظلم المسمى بالبيولوجيا، وبالذات بيولوجيا الجنس، أو الازدواجية الجنسية، أو الذكورة  أو الأنوثة، وعملياتها المعقدة في المراكز العليا للمخ والجهاز العصبي.

والذي يتفق عليه معظم العلماء المحدثين الآن هو أنه فيما يختص بالانسان فليس هناك جنس أسمى من الجنس الآخر، وأنه إذا فرض وكان هناك جنس أسمى من جنس فإن الجنس الأسمى ليس هو الجنس الذكري بالتأكيد، وإنما هو الجنس الأنثوي بسبب تلك الحقائق البيولوجية والفسيولوجية السابق ذكرها، وكذلك الحقائق التاريخية منذ قديم الأزل، والسبق التطوري الذي أحرزته الأمومة على الأبوة بيولوجيا ونفسياً وإنسانياً.

الذكورة والأنوثة/ من كتاب (الأنثى هي الأصل) د.نوال السعداوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق