الخميس، 17 فبراير 2011

القاضي يرى أن العلمانية هي الحل والمواطنين مصدر السلطات





الدولة الدينية يرفضها علم السياسة والمجتمع العالمي، والحزب الديني ترفضه المساواة بين المواطنين لتمييزه بين طائفة وأخرى.
كتب ـ محمد الحمامصي
الكتاب موجه للمسلمين بعامة والمصريين بخاصة








إن قضية الدين والدولة أو بالأحرى فصل الدين عن الدولة هي موضوع هذا الكتاب "العلمانية هي الحل" الصادر في الأول من يناير/كانون الثاني 2011 عن دار العين، للكاتب فاروق القاضي بتقدمة د. يحيي الجمل، فإذا كان الصادق الأمين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في عهده العظيم لليهود وأهل يثرب قد عبر في هذه الوثيقة عن مجموعة مبادئ تصور المسيرة التاريخية من علاقات التجمع القبلي الكمي إلى علاقات المجتمع الحضري الكيفي، إذا كان قائد "المدينة" وصاحب الرسالة قد لمس هذا البعد التوحيدي منذ 14 قرنا، فما أحرانا اليوم في ظل الأوضاع الراهنة مصريا وعربيا وإسلاميا بمراعاة المسيرة التاريخية التي طورت المجتمع الحضري الكيفي إلى مجتمع المواطنة، فالمواطنون هم مصدر السلطات دون وساطة أهل حل وعقد، ولا مرجعية غير إرادتهم التي يعبرون عنها من خلال القوانين التي يضعونها ويستطيعون تعديلها عندما لا يجدونها محققة لمصالحهم.




وقد أكد القاضي أن "فصل الدين عن الدولة، العقيدة عن السياسة، هو فصل بين الثابت والمتغير، الدين عقيدة إيمانية بالمطلق، والسياسة صراع مصالح متعارضة يخضع لتغير الأحوال وتطور الأزمان. فصل العقيدة عن السياسة حماية للمقدسات من ضراوة الصراعات".




وقال إن كتابه هذا موجه للمسلمين بعامة والمصريين بخاصة، لأن المسيحيين في كل أنحاء العالم قد حزموا أمرهم وفصلوا الدين عن الدولة، حتى لم تبق دولة دينية غير دولة الفاتيكان الرمزية، "كما أن العلمانية عبرت المحيط وسكنت الولايات المتحدة ودول أميركا اللاتينية، ولا نسمع عن دول دينية في آسيا، حتى سوكارنو أو سوهارتو لم يعلن أيّ منهما بعد استقلال إندونيسيا أنها دولة لها دين رسمي، وكذلك الحال في إفريقيا السوداء، صهرت حركات التحرر الوطني أبناءها على اختلاف عقائدهم في معدن واحد، مع استثناءات تكاد لا تذكر، فلم تقم فيها دولة ذات دين رسمي حتى غينيا سيكوتوري (الشيخ أحمد توري) ومالي موديبو كيتا (المؤدب المعلم بخيت)، وكلاهما شيخ ومعلم مسلم، أقاما دولتين علمانيتين، ولم يدفع الانقلاب عليهما النظم التالية لتبني النقيض، بقي "شعب الله المختار" الذي أقام دولته المغتصبة بصولة السلاح وشريعة الغاب، أصر على الادعاء بعلمانية الكيان، فجعل من إسرائيل دولة اليهود وليست دولة يهودية! فإذا استطاع أن يبرئها من كونها كيانا دينيا، فهل يستطيع أن يبرئها من العنصرية؟ لا أظن".




ورأى القاضي "أن الدولة الدينية يرفضها علم السياسة والمجتمع العالمي، والحزب الديني ترفضه المساواة بين المواطنين لتمييزه بين طائفة وأخرى بمحاولته فرض شريعة لا تؤمن بها كل طوائف المجتمع. الحزب الديني ترفضه الحرية، لأن المبادئ المقدسة تلغي الحوار الحر، الحزب الديني ترفضه الأخلاق لاستعماله، العقائد السامية لتحقيق مصالح ذاتية؛ لطرحه المبادئ المطلقة واحتكار الحقيقة بديلا عن حرية الاختلاف، أو لم يربونا صغارا على "ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس" هذا حتى لو صدق اليمين فما بالكم بجعل الله عرضة للجدل والصراع السياسي؟ إما أن يسكت المعارض احتراما للذات العليّة أو يضطر مرغما لتفنيد الحجة ما وسعه، وهما أمران كلاهما مر، هكذا يصبح الإسلام السياسي مشكلة للمسلمين، أصحابه وحدهم من يرون أن دينهم "دين ودولة"، مع أن واقع التاريخ يؤكد غير هذا مهما تحايلوا ومهما ألبسوا الباطل حقا، هم وحدهم من يؤسس الأحزاب القائمة على السمع والطاعة، التي لم نعد نجد لها شبيها في هذه الأيام إلا في بلاد المسلمين: في إيران والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين ومصر والسودان والجزائر والمغرب. وفي ليبيا كتاب أخضر، ومحاكم شرعية في الصومال. أحزاب رأيها ملزم، والمعارض كافر. وكل هذا ليس من الإسلام في شيء".




وقال القاضي "كان الإسلام خاتم الرسالات، والنبي محمد خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم، القرآن الكتاب العربي الذي أحكمت آياته ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ليس فيه كلمة واحدة عن نظام حكم أو إقامة دولة. أكد هذا الشيخ علي عبدالرازق في (الإسلام وأصول الحكم)، وثنى عليه الدكتور محمد أحمد خلف الله في (القرآن والدولة)، لو كان في الإسلام دولة، كما يدعون اليوم، أما كانت أركان هذه الدولة وأسسها تظهر في القرآن أو السنة، أولا، تدل بيعة الصديق في السقيفة وما جرى فيها، وتعيين أبي بكر لعمر، وتكليف عمر ستة يختارون من بينهم خليفة، ألا يدل كل هذا على أن الإسلام خلو من أي دولة، ولو كان فيه لالتزم به صحابة النبي والأمناء على سره ونجواه".




وأوضح القاضي أن الثابت أنه لم تكن هنالك مرجعية لمدينة سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) غير "لا ضرر ولا ضرار" و"دفع مضرة خير من جلب منفعة"، لم يدّع معرفة بكل شيء، فما هو إلا بشر. ترك كل شيء لمعرفة الناس وتجربتهم، في الاقتصاد "أنتم أدرى بشؤون دنياكم"؛ في القتال هي "الحرب والمكيدة"، بل إنه وضع أسس المواطنة والمساواة أمام القانون للنصارى واليهود، "أن يكون لهم ما لنا وعليهم ما علينا"، حتى بعض القوانين القرآنية الملزمة مثل آية "الرجم" نسخها عندما وجد أنها تفزع الناس من الإسلام، ليس هو وحده، بل مارس من جاء بعده، الإبطال على الأقل، حرصا على الصالح العام، أوردت كل هذا في عجالة لأنه ما إن غاب الصادق الأمين عن دنيا الناس حتى دبت الإضافات والادعاءات في صورة سنن موضوعة وفقه تابع لملوك وسلاطين، إضافات وادعاءات لم تلبث أن أصبحت ركنا من أركان العقيدة.




وأشار القاضي إلى أنه لم يبق خلفاء المسلمين وأمراء المؤمنين غير بضع سنين حتى قتل الخليفة عثمان رضي الله عنه (35 هـ) لأن الدين اختلط بالدولة، وأضاف "لم يقتصر الأمر على قتل الخليفة، بل نشبت الحروب التي كان أشهرها "الجمل" و"صفين"، لتتحول الدعوة المحمدية لإتمام مكارم الأخلاق إلى مُلك عضوض يتربع على قمته من حاربوا الدعوة وساموا محمدا سوء العذاب: الأمويون بقيادة معاوية (تولى 41 هـ). وكانت عقيدة خليفة المسلمين "والله لأستميلن بالمال ثقات علي، ولأقسّمن فيهم المال حتى تغلب دنياي آخرته!" سياسة بلا دين. نجله العزيز يزيد بن معاوية (60 هـ) جرد قائد جيشه مسلم بن عقبة على مدينة رسول الله الذي استباحها ثلاثة أيام في معركة "الحرة".




"فاستعرض مسلم أهل المدينة بالسيف جزرا كما يجزر القصاب الغنم حتى ساخت الأقدام في الدم وقتل أبناء المهاجرين والأنصار"، منطق دولة، وعندما تولى عبدالملك بن مروان (65 هـ) قنن أمير المؤمنين الطغيان كقاعدة للحكم في خطاب ألقاه في مسجد رسول الله، ومن على منبره، عندما قال، "ألا والله إني لا أداري أمر هذه الأمة إلا بالسيف .. والله لا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه. فلسفة حكم!".




وقال القاضي "لئن انصرف الأمويون لدعم ملكهم بالسيف فإن الخليفة العباسي كان يتظاهر بالتقوى والورع، لكنه كان مع ذلك ذا اتجاه دنيوي مثل سلفه الشامي، فقد كان هارون الرشيد يصلي في اليوم مائة ركعة ويسفك الدم لشيء لا يستحق سفك الدم!"




كما يقول أستاذنا أحمد أمين في "ضحى الإسلام"، كل هذا علاوة على أن الخليفة كان يعبد الله وينهب عباد الله، زخرت كتب التراث بقسوة جباة المال والخراج وجشعهم، ونهم أمراء المؤمنين ونزواتهم، إذ تمادوا في شراء الجواري والإنعام على المريدين حتى أصبح الحصول على فيء البلدان المفتوحة هدف الفتوحات الأساسي وليس نشر الدين. ومن أراد تزودا أو تأكدا فليطلع على كتاب "الخراج" لأبي يوسف يعقوب، قاضي بغداد زمن الرشيد، وما رواه ابن عبد ربه في "العقد الفريد".




وحتى أجنب القارئ مشقة البحث أورد ما قاله سيد قطب، والكل يعرف من هو سيد قطب، في "العدالة الاجتماعية في الإسلام"، "وفي أيام بني أمية ثم في أيام بني العباس من بعدهم، كان بيت المال مباحا للملوك كأنه ملك لهم خاص"، هذا غير ما قاله المسعودي في "مروج الذهب"، وما قاله ابن الأثير في "الكامل في التاريخ".




المصدر





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق