الأربعاء، 26 يناير 2011

العقل التداولي


هل ينجح العقل التداولي في تفكيك الثنائيات الفكرية العربية؟ ما مدى قابلية الانسان العربي لأن يحمل عقلأً تداولياً؟




العقل التداولي 

العقل التداولي هو عقل جديد يطرحه علي حرب كحل للأزمة العامة اليوم، هذا العقل يُخضع للنقد أشكال المصداقية ومصادر المشروعية. هو تجاوز للنماذج الثقافية أو الأنماط البشرية، سواء من جانب العقليات الأصولية بعقائدها المقفلة وتصنيفاتها العنصرية ومشاريعها المستحيلة أو من جانب القوى الإمبريالية بمنطقها الأحادي والعسكري القائم على الانفراد والإقصاء والطغيان أو من جانب النخب الثقافية والفكرية بعقلانيتها القاصرة ومشاريعها الفاشلة وطروحاتها الإنسانوية المفلسة. إذن العقل التداولي هو تجاوز وخروج عن مضادة الثلاثي المسيطر على الساحة الفكرية في هذا الوقت مما يجعل رهانه أصعب وامتحانه أشد. 


يشتغل هذا العقل على أكثر من جهة وأكثر من جانب، أهمها جانب التفكيك والتجاوز وجوانب الاشتغال مشتملة على التالي:

  1. الخروج المزدوج من فلك العقل الماورائي بماهياته الثابتة وحقائقه المطلقة وعلى المنطق المتعالي بمفاهيمه المحضة وقوالبه المسبقة. وتعود الأفكار هنا إلى العالم البشري الواقعي القائم على النسبية والاحتمال أكثر من قيامه على الجزم واليقين.  
  2. فضح المنزع العنصري الذي يعمل أصحابه بعقلية التمييز والفرز أو التطهير والتصفية من حيث العلاقة مع المختلف والآخر. العقل التداولي يرفض العداء المستشري ضد الآخر في العالم العربي ويسعى لكشف منطلقاته الفكرية القابعة في العقل الشمولي العنصري. 
  3. الفكاك من المنزع النرجسي للنخب المثقفة بفك وصايتها على القيم والحقوق والحريات. لا يعترف المفهوم التداولي بتصنيف المجتمع إلى خاصة وعامة، بل بوصفه مجتمع اختصاصيين، عاملين ومنتجين في قطاعات إنتاجهم وحقول عملهم. 
  4. تجاوز التقسيمات العرقية أو الدينية أو الجغرافية ك «عقل عربي أو إسلامي أو غربي» وسوى ذلك من التصنيفات التي تشل طاقة الفكر وتحشره في الزاوية الخانقة. هذه الزاوية هي زاوية الصورة النمطية المسبقة التي تجمع الكل في واحد وتمحي التفرد والاستقلال. 



ظروف هذا العقل صعبة بالتأكيد في ظل صراعه مع العقول التي جاء ليتجاوزها, ولكن المشجع هنا هو أن هذا العقل متسق مع منطق العصر والواقع وهو الأكثر وعيا بالتحولات العالمية في عصر الانفتاح وانكسار الحواجز. 
ويضع حرب عدة ادوار للعقل التداولي:


1- أن العقل التداولي عقل تركيبي في تعامله مع الواقع. العالم شديد التنوع والتعقيد والتحول ولذا فلا يمكن حصره في صورة نهائية. ولذا فهو مسرح للخلق. ولذا فالعقل التداولي لا يخشى المتغيرات بل يراها فرصة لبدء علاقة جديدة مع الواقع. 

2- استثمار التعددية الثقافية من خلال النظر إلى المجتمع على انه متعدد العناصر والقوى والمشروعيّات ومن خلال قبول الآخر من حيث كونه مختلفا ومساويا في آن. وكذلك من خلال اقتناع المرء بأن هويته متعددة وأنها مشروع لم يكتمل بعد. وهذا هو الأهم في نظر حرب. فالهوية عنده مسرح لتعدد الأطياف والشخوص والأصوات بقدر ما هي سوية وجودية مبنية من تعدد الميول وتعارض الأهواء أو من التباس المعاني وتوتر الأضداد. 

3- العقل التداولي عقل تواصلي وأصحابه ينظرون إلى العلاقات مع البشر كإمكانات للتعارف والتبادل سواء في الزمان بين الأجيال والأطوار أو في المكان بين الثقافات والجماعات. 

4- العقل التداولي عقل تأويلي يستثمر منهج التأويل من حيث تعامله مع المعاني والحقائق. المعنى هنا هو ما لا ننفك عن إعادة إنتاجه عبر تداول الكلام وإنتاج الخطاب وتشكيل النص، على سبيل الاختلاف أو الزحزحة والإحالة أو المجاز والاستعارة. 

5- العقل التداولي يشتغل بحسب المنطق التحويلي، بقدر ما يستخدم النقد التفكيكي، من حيث التعامل مع الأصول والثوابت أو مع المعطيات والأدوات.فعل التفكيك والتحويل هذا يتجه للمقولات والهويات أو للسلطات والمؤسسات، وبصورة تتغير معها بنية الفكر وجغرافية المعنى بقدر ما تتغير بنية الواقع وخارطة القوّة.



المصدر
تفكيك الثنائيات الفكرية العربية: الأزمة والمشاريع البديلة



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق