السبت، 13 أغسطس 2011

قراءة علمية لـ "الأنثى هي الأصل"




الانثى هي الاصل

الانثى هي الاصل
يحذر العلماء اليوم من ان الرجل يتهدده خطر الانقراض. بعد دراسة الخارطة الجينية للانسان اكتشف العلماء الخطر الذي يحدق بالرجل. الكرومسوم الذكري ممتلئ ببقايا جينات لاعمل لها. والكرومسوم نفسه يتضائل. منذ فترة نشوءه قبل 300 مليون سنة، اذ انه فقد ثلث حجمه، 97% من مورثاته الاصلية. بعض العلماء يتوقعون اختفائه نهائيا قبل انقضاء مئة مليون سنة. الامر الذي يعني انقراض الرجل بشكله الحالي، ليصبح مجرد "صفات ذكرية" عند بعض النساء.

الرجل يخلق من كرومسوم واحد 

الكرومسوم الذكري هو النصف الاخر للصبغية رقم 23 التي تحسم جنس المولود. غير ان هنا الغرابة. فبينما تتناسب وتتطابق بقية الصبغيات (الكرومسومات) نجد ان النصف الاول( X) والنصف الاخر (Y) مختلفان للغاية. الكرومسوم الانثوي يملك 3000 مورثة مختلفة، بينما الذكري باقي به 50 فقط. لحسن الحظ يملك الرجل النصف الاخر الانثوي الذي يزوده بالمورثات الضرورية. الوظيفة الوحيدة الباقية للكرومسوم الذكري، هي ابقاء الذكورية. 
الطبيعة في الاصل تبدء بتشكيل النمو انطلاقا من ان الجميع سيصبحون "امرأة"، وفقط مورث واحد ذكري هو الذي "يغير" الاتجاه. هذا المورث يسمى (
YRS) ووظيفته اطلاق تشكيل الخصاوي، التي تبدء بفرز الهرمون الذكري: تيستوستيرون ومواد اخرى ضرورية لتحويل الطفل الى ذكر. لهذا السبب بالذات نجد ان الرجال يحتفظون ليس بالحلمات الثديية وانما حتى بالبنية الداخلية للثدي، رغم انهم لايحتاجونها. اذا جرى خطأ في وظيفة هذا الهرمون يستمر الطفل بالتتطور بالشكل الطبيعي الى بنت.

نصف الجينات على الكرومسوم الذكري تتعلق وظائفها بنمو الحيوانات المنوية ونضجها، ومن الممكن نظريا ان توجد على اي كرومسوم انثوي بدون الحاجة لكرومسوم ذكري خاص. او يمكن ان يتشكل الذكر بميكانيكيزم اخر لايحتوي على كرومسوم ذكري نهائيا تماما كما عند التماسيح مثلا، اذ ان الحرارة هي التي تقرر "جنس" المواليد وليس الكرومسوم.

اذا ماجرت طفرة تؤدي الى نقل الجين (
YRS) الى كرومسوم اخر، لن تعود هناك حاجة الة الكرومسوم الذكري الخاص، وسيؤدي ذلك على الاغلب الى زواله. عندها يصبح للجميع كرومسومات انثوية فقط، وبالتالي من هذه الزاوية يصبح الجميع نساء.

بالطبع تبقى هناك حاجة لوجود الرجل من اجل التكاثر، ولكن هل سيبقى الوضع على ماعليه الحال اليوم؟ اليس من الممكن ظهور اختلال بعدد الرجال بالنسبة الى عدد الاناث كما عليه الحال في عالم الحيون؟ إلا انه من المؤكد ان قفز الجينات من كرومسوم الى اخر امر محتمل تماما اذ انه خاصة من خاصيات الجينات، الامر الذي يشير الى شدة وواقعية الخطر المحدق على الجين الذكوري.


اصل الاختلاف وسبب الضعف 
الكرومسوم الذكري يشكل الحلقة الضعيفة بالمقارنة مع النصف الثاني ، الكرومسوم الانثوي. اذ ان الكرومسوم الذكري لم يكن إلا نتائج طفرة جرت قبل 200-300 مليون عام، ليتميز عن القاعدة التي هي الكرومسوم الانثوي. في ذلك الزمن حدث ان مورث سقط في مكانه بالعكس، عند حدوث عملية بناء الكرومسوم الامر الذي جعل الانصاف غير متتطابقة ومتناسبة مع بعضها البعض، الامر الذي اثر على تتالي الاحداث. 

احد اهم الاحداث التي تجري بين النصفين الكرومسومي العملية المسماة التبادل المتصالب. كل مورث في احد الكرومسومات يجلس مقابل الاخر. في مكانات مختلفة وبشكل غير نظامي يحدث ان يتبادل المورثات اماكنهم المتقابلة. 


بسبب التبدل الذي حصل في الكرومسوم الذكري، ظهر جزء لم يعد يتناسب مع مقابله من الكرومسوم الانثوي، وبهذا الجزء لم يعد يجري تبادل تصالبي. هذا الامر لم يؤثر على الكرومسوم الانثوي لانه يتم تبادله مع كرومسوم انثوي عبر الاجيال، في حين الذكري يبقى معزول عن عملية تبادل الامر الذي يؤدي الى ازمة تتطور فادحة. لم يعد يستطيع اعادة تجديد نفسه.


كرومسوم الذكر، هل يتحول الى نفايات 


الجزء الذكري لم يعد قادر على اعادة اصلاح ذاته وبالتالي اصبح مملوء بالطفرات. الامر الذي عطل الكثير من الجينات وفي النهاية حول الكرومسوم الذكري الى مزبلة جينات. بعد 130 مليون سنة اخرى من التغيير الاول، حدث من جديد ان جزء جيني اخر عكس مكانه في الكرومسوم. ليصبح هو ايضا معزول عن عملية اعادة البناء. هذا الامر حدث اربع مرات في الكرومسوم اخرها قبل 30 مليون سنة. النتيجة ان 5% من الكرومسوم قادر اليوم على اعادة بناء وتصليح نفسه وبالتالي حماية نفسه ضد الطفرات الضارة.

العلماء وضعوا خارطة تاريخ الكرومسوم الذكري، بنفس طريقة دراسة القرابة الجينية. ومن مقارنة الخريطة الجينية مع الحيوانات الاخرى يصل العلماء الى ان التغيير الاول حدث عند ظهور القوارض من السحالي، اما الثانية فعند ظهور الحيوانات الكيسية، اما الثالثة فعند ظهور الحيوانات اللبونة اما الاخيرة فعند ظهور الانسان القردي والانسان.

الحياة لم تكن ثنائية الجنس

فى البدايات الأولى للحياة ولفترة طويلة كانت الحياة أكثر بساطة, التكاثر اعتمد اللاجنسي الذي لم يملك ميكانيزم تمايز فعال ، حيث المادة الوراثية نسخة طبق الاصل تعود الى المنشأ واصطلاحاً نسميه الام، بمعنى انه لم يكن هناك تحديد الجنس على أساس ازواج من الكروموسومات الناشئة عن جنسين منفصلين، كما لم يكن هناك X Y chromosomes

فى ذبابة الفاكهة على سبيل المثال نسبة ال
X كروموسوم إلى الأوتوسوم هى المحددة للجنس. و في التماسيح ، تلعب الكروموسومات دورا هامشيّا - حيث درجة حرارة الشمس هي التي تحدد الجنس. 


عند الاصداف البحرية من نوع 
Slipper limpets نجد ان الجنس متغير ويحدده موقع الصدفة عندما تتلاصق مع مجموعة الاصداف الاخرى، فالجانب الملتصق بالصدفة الاخرى يكون انثوي، في حين الصدفة التي تكون بين صدفتين يصبح احد جوانبها ذكري ليلقح الصدفة الاخرى الى اليمين مثلا، في حين يكون جانبها الايسر انثوي يتلقح من الصدفة الواقعة الى اليسار.

النموذج الاكثر غرابة نجده عند الدودة المسماة 
Bonellia viridis حيث ان يرقاتها التي تستقر في قاع المحيط تتحول الى اناث بطول 10 سم، في حين اليرقات التي تصل بعدها تُجذب الى الاناث فتبتلعها وتتحول الى ذكور بالغة الصغر في بطنها لتنتج الحيوانات المنوية مباشرة في داخل الانثى.

بدأ التكاثر الجنسي الثنائي في فترة لاحقة الامر الذي سمح بالتنوع وبالتالى أصبحت قدرة النوع على قهر الطفيليات والأمراض المختلفة أكبر وبالتالى جعل فرصته فى البقاء اكبر,فالتكاثر جنسى قد يكون أبطأ ولكنه أسرع من الناحية التطورية,سريع التأقلم والتخلص من الطفرات مؤذية. حتى هذا الوقت كان التمايز الجنسي الى ذكر أو أنثى يعتمد اعتمادا كليا على الظروف البيئية ,

وفي الوقت الذي نرى اشكالا مختلفة للتكاثر ضمن آحادية الجنس نرى ان انواعاً اخرى قد طورت نظاما للتكاثر على اساس التنوع الكروموسوي من نظام 
XX&XY حيث الافراد الذين يحصلون وعن طريق الصدفة على الكروموسوم Y يصبحون ذكور في حين الذين لايحصلون عليه يبقون إناث. ويبقى ان القدرة على تغيير الجنس حسب الحاجة والظروف امراً شائعاً وليس على الاطلاق شذوذ عن القاعدة اكثر مما يعتقد وهو منتشر بين مختلف المستويات من الكائنات الحية إبتداً بالحشرات مروراً بالاسماك وانتهاء بالفقريات.
نرى مثلا ان بعض الحلزونات تنمو كذكر، وبعد ذلك يتحول إلى أنثى، السمك المهرجclownfish له ظاهرة عجيبة إذ تتجمع هذه الأسماك على شكل هرمي في مجموعات، بحيث تحتل الأنثى قمة هذا التجمع الهرمي، وبعد موتها، يصعد أحد الذكور من أسفل التجمع إلى مكانها ويتحول إلى أنثى. وفي الصورة تظهر مجموعة من سمكclownfish






بخصوص الإنسان،
 فهناك خلل وراثي
 Testicular Feminization Syndrome ، والذي ينتج إنسان له جسم أنثى وجينات ذكر! وهذا يطرح تساؤلاً أخلاقيًا وفلسفيًا صعبًا أمام الأديان، وللمزيد من التعقيد، فهناك الخنثى الحقيقي والذي يولد جامعًا للذكر والأنثى سويًا، فهذه المشكلة تستحق أن تسمى "مصيبة" في أبعادها الشرعية والدينية، فمثلا هل ينبغي لهذا الانسان ان يتحجب؟

الكروموسومات
X&Y عند االبشريشكلون حالة فريدة بالمقارنة بالكروموسومات الأخرى,
فأزواج الكروموسومات الأخرى(
autosomes),تبدوا وكانها توائم متماثلة ويتعذر التمييز بينهم سطحيا. و على العكس تماما, X و Y يبدوان مختلفين بشكل واضح.


لماذا كروموسومات الجنس مختلفة بهذا الشكل؟

فالكروموسوم Y يبلغ حجمه فقط واحد الى ثلاثة بالنسبة لحجم X. و بالتالى فأطراف هذه الكروموسومات فقط تتبادل الجينات recombine .وهكذا, معظم الكروموسوم Y يورث من الأب إلى الابن بشكل هو أقرب الى التزاوج اللاجنسي. وبلا recombination ليس هناك reassortment .


لذلك فرصة كروموسوم Y بأن يراكم تغييرات أسرع من X. ,ولا يحدث تحلل كروموسوم Xأثناء الانقسام الميوزيmeiosis عند الأنثى ,اذ أن هناك X اخر يقوم بدور شريك كامل في عملية االrecombination.

وسنحاول هنا أن نسافر في الوقت حينما كان أسلافنا أقرب الى صورة الزواحف ونتأمل سويا في العمليات التي شكلت الكروموسومات 
Y&X.

كيف أصبح كروموسوم
Y بهذا الصغر بالمقارنة برفيقه X ؟
الصورة التالية توضح رحلة كروموسومات الجنس على مدار 350 مليون سنة منذ كانت بروتوX,Y متماثلين فى أسلافنا (الشبه –زواحف).










وبمرور الوقت, التغيرات البنيوية فى الكروموسوم بروتو Y(وتراكم جينات اضافيه مسؤولة عن التطور الذكوري في هذا الكروموسوم) أفقده القدرة على الrecombination مع رفيقه الكروموسوم بروتوX تسببت فى الشكل االحالى, وهى المسؤولة عن التطور الذكوري. وبدون الدخول الى تفاصيل أكثر تخصصا من الممكن أن نقول أن بدراسة كروموسوم X (رفيق درب كروموسوم Y و انعكاسه) سنجد أربعة مناطق تقودنا الى أربع مراحل كبيرة مختلفة فى تطور كروموسوم Y. (على سبيل المثال بعد أول طفرة ظهر للوجود و لأول مرة جينٍSRY الذى هو الأكثر أهمية فى تطور الذكور). <
وكل مرة بعد كل مرحلة كان كروموسوم 
Y يفقد الأجزاء non-recombining وينكمش ,وفى نفس الوقت كان رفيقه يتطور أكثر و أكثر حتى يصل الى الكروموسوم X الذى نعرفه حاليا.



الخميس، 11 أغسطس 2011

الروحانية تختلف عن الايمان بالغيبيات


هل يمكن للملحدين أن يكونوا روحانيين؟
الخميس 11 آب (أغسطس) 2011
بقلم: هيذر واكس Heather Wax   ترجمة : حازم شيخو



 كان علم الاجتماع المتخصص بالدين مهتماً - في معظمه- بإدراك طريقة تفكير المتدينين حول الإيمان والروحانية، إلا أنّ إيلين هوارد إكلاند، عالمة الاجتماع في جامعة رايس، قد وجّهت اهتمامها في الأعوام الأخيرة إلى العلماء في أفضل جامعات البحث في أمريكا : مجموعة تضمّ نسبة عالية من الملحدين واللاأدريين، وقد فاجأها اكتشاف محدّد بوجه خاصّ، فوفقاً لمعاينتها 1700 عالماً طبيعياً واجتماعياً فإنّ 22% ممّن يقولون إنّهم ملحدون يعتبرون أنفسهم روحانيين.
 وعندما فاز عالم الفلك في جامعة كامبردج "لورد مارتين ريس" بجائزة تمبلتون للعام 2011، عبّر البعض عن دهشتهم لفوز عالم بارز معروف بإلحاده بجائزة مرتبطة بالارتقاء الديني، ومع ذلك فقد وضّح الدكتور "جون م. تمبلتون الإبن" رئيس مؤسسة جون تمبلتون في إعلان رسميّ أنّ اللورد ريس قد ساهم بعمق- مع أنّه رسميّا غير متديّن- في الإدراك الروحيّ والأخلاقيّ للبشرية من خلال عمله العلميّ.
 ويقول د.تمبلتون: "بأنّ مارتين ريس، بدراسته لأبعد النقاط في المجرّات، قد فتح نافذة على أعماق إنسانيتنا، مشجّعاً كلّ فرد منّا على أن يواجه أكثر الأسئلة جوهرية في طبيعتنا ووجودنا".
 تضيء قضية اللورد ريس شيئاً خاصاً حول ما يمكن للمرء تسميته "الروحانية الإلحادية"، وكما أشارت عالمة الاجتماع إكلاند في بحثها الجديد، والذي ألّفته بمساعدة عالمة الاجتماع إليزابيث لونغ والذي نشرته في مجلة (sociology of religion)، فإنّ الروحانية عند عامة الناس "غالباً ما تكون متأصّلة في فكرة الله"، ما يعني أنه لا بدّ أن يكون للعلماء الملحدين مفهومٌ عن الروحانية مختلف عن غالبية الأمريكيين.
 تعمّقت إكلاند، في مقابلاتها مع 275 عالماً، في معتقداتهم الروحانية والكيفية التي يجدون فيها معانيَ وغاياتٍ وجّهت اهتمامها بعيداً عن الإيمان، وقد تحدّثتُ مع (big question online) حول ما عرفته عن هذا الموضوع:
2011 Templeton Prize winner Martin J. Rees
لقد وجدت بأن حوالي 67% من العلماء روحانيّون و22% من العلماء الملحدين يعتبرون أنفسهم روحانيين، ما الذي يقصدونه "بالروحانية"، هذه الكلمة التي تُعرّف بوجه مختلف من قبل أناس مختلفين؟
 لقد عنوا أشياء مختلفة، ولذلك فإنّ ما حاولت القيام به هو اكتشاف ما يمكن أن يكون أكثر التعاريف تطابقاً فيما بينهم، فالروحانية عندهم هي شيء خارج عنهم، وليست فقط إثباتا للذات، بل رغبة في رؤية شيء أكبر من ذواتهم يوجّه ما يفعلونه في الواقع، والعديد منهم تحدّث عن اهتمامهم الكبير بطلبتهم كشيء نابع من روحانيتهم، وكان شيئاً متطابقاً مع العمل الذي يقومون به كعلماء.
 هم حقاً صادقون في ذلك، واقتنعت بذلك عندما أجريت معهم مقابلات معمّقة حيث جلست معهم في مكاتبهم وتحدثت إليهم لساعات حول ذلك، لقد كانوا صادقين جداً ولديهم طريقة منظمة في مناقشة الموضوع. لديهم أشياء محدّدة يؤمنون بها، فالذين قالوا: "حسناً، إذا كنت حقاً تدفعينني إلى الحائط، أظنّ بأنني سأقول بأنّي روحانيّ"، أنا لم أعتبرهم "روحانيين" ولم أفكّر بالذي يعنيه ذلك حقاً لهم.
 يبدو من بحثك أنّ العلماء الملحدين لا يستخدمون التفسير الذي يستخدمه أغلبنا عن الروحانية، فروحانيتهم علمانية بامتياز، وهي غير مرتبطة بالألوهية، ولا يستخدمون لغة دينية تقليدية في وصفها، وفي الواقع هم ينظرون للروحانية والدين كشيئين مختلفين تماماً، فعلى أيّ أسس بُنيت روحانيتهم؟
 سعيهم الشخصي نحو الحقيقة والذي هو راسخ في علمهم وخارجه، وشيء من أخلاق الحياة.. فالعلماء الروحانيون، وبوجه خاص الملحدون منهم، يعتبرون أنفسهم مختلفين عن العلماء الملحدين غير الروحانيين، لقد أنشؤوا حدّاً فاصلاً وواضحاً بينهم وبين العلماء الملحدين غير الروحانيين، وقد تحدثوا بصورة رئيسية عن الاختلاف في طريقة التعليم، حيث أنهم يميلون أكثر إلى الاهتمام بحاجات الطلاب، وأيضاً التأكد من أن الطلاب يحصلون على أعمال مناسبة لهم أكثر مما هي مناسبة لأوصيائهم، إنهم يحاولون حقاً مساعدة طلابهم أن يصبحوا أفراداً كاملين، حتى لو لم يصبحوا علماء جيّدين… أشياء من هذا النوع.
 ويبدو أيضا أنّ العلماء الروحانيين يضعون حداً فاصلاً بينهم وبين الروحانيين من غير العلماء؟
 يوجد فرق كبير بينهم وبين إدراك الناس الشائع عن الروحانية. هناك شخصان ممّن اقتبست منهما (في بحثي) مميّزان جدّاً عن الآخرين، وقد قالا أشياء مثل: "أدرك كون الروحانية العامّة تتمحور كلها حول الله والإيمان بالله ولكني لا أراها بهذه الصورة"، وهذا صحيح، وذلك من معلومات الدراسة الذي أعددتها وكلّ أنواع المعلومات التي لدينا عن الحياة الدينية عند العامة، فالناس حتى لو لم يكونوا منتظمين في دين معين، ينظرون إلى الروحانية كمرادف للإيمان بالله.
 أنا لست مندهشة لأنّ العلماء يعتقدون بوجود غموض في العالم وأن العلم يجلب نوعاً من الجمال، ولكني مندهشة لأنّ العلماء الملحدين يفكّرون في ذلك، لأنّ الملحدين يقدّرون أنفسهم لامتلاكهم نظرة عصرية للعالم، فالعلم هو كل ما كان وما هو كائن وما سيكون، والعلم يشرح كل شيء، فلا وجود لشيء خارجه، يبدو لي هذا مختلفاً عن نظرة العلماء الملحدين الذين يعتقدون بوجود شيء بصورة كامنة خارج العلم، شيء أكبر منهم وله سطوة عليهم، طبعاً من الممكن أن يكون الله إلا أنهم ببساطة لا يدركون ذلك، وليس من واجباتي كباحثة أن أحكم على الموضوع، وعلى أية حال هم لا يرونه كإله، هم يجدونه كهذا النوع من الروحانية الذي هو مختلف عن الرأي الشائع وأيضاً عن رأي العلماء الملحدين اللاروحانيين.

 ما الشيء الجذّاب الذي يجدونه في الروحانية كما يفسرونها؟
 إنّ الأمر ذاتيّ، فهناك رغبة عارمة بين هؤلاء العلماء للسعي نحو الحقيقة بصورة شخصية، الحقيقة التي لم تظفر بها حياة المجتمع غير المفكر، فهم لا يريدون الإيمان بشيء فقط لأن أحد شخصيات السلطة الدينية يطلب منهم الإيمان به، هم يريدون أن يعرفوا أنها الحقيقة بأنفسهم، هم حقاً يريدون أن يعرفوا عن يقين وبطريقة شخصية أكثر من أن تُغسل أدمغتهم من قبل السلطة الدينية، وهم يشعرون بأن ذلك مختلف عن الإدراك الشائع. وطبعاً لدى البعض منهم مفهوم متسرع وازدرائيّ للدين، فهم لم يطلعوا كثيراً على الأنماط المختلفة من التقاليد الدينية، إلا أنهم يريدون ذاك السعي الفردي نحو الحقيقة ويرون ذلك مختلفاً عما يفعله عامة الناس.
 ويرون هذا النوع من الارتباط مع العلم كنظرة مختلفة عن نظرة العامة، وأنا أيضاً أعتقد بصحة ذلك، فعندما ندرس الروحانية عند عامة الناس لا نجد أي بلاغة في الحديث عن ارتباطها بالعلم، وفي الواقع فهي تقريباً العكس حيث أن الصفة المميزة في الروحانية عند العامة هي أن بإمكانها أن تصنع نفسها، أي أنها لا تحتاج لأن ترتبط بأي شيء، وأن فيها نوعا من الانتقائية، ولكن ذلك غير مريح بالنسبة للعلماء، فهم يريدون ترابطاً وخاصة ترابطاً مع العلم، حيث ثمة من يُقدّر العقلانية، ولذلك هم لا يريدون أن يفعلوا شيئاً يبدو غير عقلاني، ومع هذا فهم لا يستطيعون التوقف عن الرؤية في عقولهم وفي تجاربهم الخاصة أنه يوجد شيء خارج ذواتهم.
 ويقدّر العلماء حقاً هذا النوع من الترابط، فهم لا يريدون القيام بشيء غير مرتبط مع هويتهم كعلماء، ولذلك هم لا يريدون أن يكونوا علماء في جزء من حياتهم ثمّ يكون لديهم هذا النوع من الروحانية المهلهلة في الجزء الآخر من حياتهم.
 هم ينظرون إلى الروحانية باعتبارها مطابقة للعلم، ولكنهم مع ذلك يرون تعارضاً بين العلم والدين؟
 نعم، هذا صحيح، هذا صحيح، وهم يرون الروحانية مخرجا من هذا التعارض.
  ما الذي تقصدينه "بمخرج"؟
 هم يرونها كطريقة لإدراك الغموض والدهشة التي يحصلون عليها من علمهم، أو يحصلون عليها من كونهم آباءً وأمّهات، أو من مجرّد العيش في الحياة، في حين توجد مجموعة كبيرة من العلماء الملحدين الذين يرون أنفسهم كحداثويين صارمين، وقد يكون هذا جواباً نموذجياً من العلماء الملحدين غير الروحانيين عندما أسألهم: "كيف تجيب على الأسئلة المرتبطة بمعنى الحياة، أسئلة كبيرة مثل لماذا نحن هنا، وما مغزى حياتي؟" سيردّون : "لا أعتقد أنّ هذه الأسئلة مهمّة كي تُطرح". وببساطة فإنّ هذه التساؤلات غير مهمّة، وليس الأمر أنهم يملكون جواباً مغايراً عن عامة الناس، هم فقط لا يهتمون بهذه التساؤلات، ولكن سيجيب العلماء الملحدون الروحانيون عن هذه الأسئلة، وسيقدّمون ردودهم بطريقة تمثّل روحانيتهم، سيتحدثون عن دهشتهم واكتشافهم الجمال في الطبيعة، ودهشتهم بولادة أطفالهم، وأيضاً دهشتهم في العمل نفسه الذي يقومون به كعلماء. هم لا يرون ذلك فقط من خلال التفسير الذي يقدمه العلم، لا بدّ من وجود شيء ما خارج ذواتهم، ولكن طبعاً هم لا يرون هذا الشيء كإله ولا يجدون سبباً يدعوهم إلى تصوير مشاعرهم كإيمان من أيّ نوع.
  إذاً ما الذي ينبغي للناس استخلاصه من دراستك هذه؟
 العديد من هؤلاء العلماء الملحدين ليسوا عدائيين تجاه الأسئلة الكبيرة عن معنى الحياة، كنت أعتقد مسبقاً بأنّي سأجد علماء متدينين، وأنّ عددهم سيكون أقلّ من المتدينين من العامة، ولم تفاجئني هذه الاكتشافات، ولكنّ من أدهشني شخصياً هم هؤلاء العلماء الروحانيون، وهذا جيّد لدراسة من هذا النوع: لأنه يمكن له أن يبدد عدداً من الأفكار النمطية، وأظنّ من المهم جداً إزالتها، وأرى أن هذا النوع من الأبحاث له تأثير في المجتمع من حيث الكيفية التي يمكن لنا أن نناقش فيها هذه القضايا.
 بالنسبة لبعض الجماعات، فإنّ هذا يصنع أرضية مشتركة، ولكنّ بعض الناس ينظرون إلى هذا كورقة بحث، وأعتقد بأنّ هذا جيّد لأني أعالج الموضوع كباحثة، وإذا كنت مهتماً بالحوار، فأعتقد بأن هذا النوع من الاكتشافات- عن وجود الروحانية في الجماعات الأقل توقعاً- يمثل طريقاً لتغذية هذه الحوارات، فيمكن للناس المتدينين الروحانيين أن يقولوا للعلماء الملحدين الروحانيين: "دعونا نتحدّث عن الخصائص المتمايزة والمشتركة في طريقة رؤيتنا للروحانية"، وهذا يعطي أرضية مشتركة تمهيدية أكثر ممّا يقدمه بدء الحوار بالتركيز على الفروقات.
المصدر: